الردّ على من قال أن القول في الذات هو القول في الصفات:
أقول: قد قدمتُ فيما سبق أن الاشتراك في الأوصاف اشتراك معنوي، والاشتراكَ في الذوات اشتراكٌ لفظيٌ، والاشتراكُ عند المناطقة هو استعمال اللفظ الواحد في معان مختلفة استعمالا أوليا، أي هو حقيقة فيها جميعا، فإن كان حقيقة في أحدها منقولا إلى غيرها فذاك مجاز لا اشتراكا .
والاشتراكُ اللفظيُ وهو أصل الاشتراك هو استعمال اللفظ من باب العلمية على ذاتين مختلفتين، كإطلاق لفظ العين على العين الجارية، والجارحة، وإطلاق القرء على أول الطهر وأول الحيض، وقد أنكره جمع من اللغويين كما أنكروا الترادف وأعلّوا الاشتراك بما أعلّوا به الترادف؛ بأنّ الأصل في الكلام التأسيس لا الترادف أو الاشتراك، وبما أن اللغة إلهامية فلا يجوز فيها الترادف والاشتراك لأن الله عز وجل لا يعجزه أن يستعمل لكل معنى لفظا خاصا به يدل عليه حال إطلاقه، وقد ردّ بالوجود الخارجي الذي يثبت الاشتراك والترادف واقعا من جهة، وأنّ دعوى إلهامية اللغة فمقتصر على أصلها لا في تطورها.
وهذا النوع من الاشتراك لا ينم أو يشير أو يشعر إلى توافق المعنيين فيه على قدر مشترك بينهما، وقد ذهب بعض الأئمة إلى التناسب بين المعاني والألفاظ وقالوا بفقه اللغة، وقد ردّ ذلك بأنه لو صح لما اختلفت اللغات وللعلامة ابن تيمية مبحث رائق في الباب.
والنوع الثاني من الاشتراك وهو الاشتراك المعنوي، ومفهومه: هو كل اشتراك في اللفظ يلزم قدرا مشتركا بين المشتركين فيه يكون مطلقا ويسمى المشترك المطلق الكلي، وهذه نسبة مطلقة، أي وجودها ذهني (لأنها كلية وكل كلي لا محل له إلا في الذهن)، ولا وجود لها في الخارج إلا مشخصة، وتشخيصها بعروضها على جوهر يتحلى بها، والمشترك المطلق الكلي في لسان العرب نوعان:
– مصادرٌ كالرحمة والحكمة والعلم والمغفرة والتوبة وتتشخص في الأفعال كرحم فلان، وحكم فلان، وعلم فلان، وغفر فلان، وتاب فلان.
– أوصاف مطلقة: كالرحمة والعلم والمغفرة والتوبة وتتشخص في الأوصاف كفلان رحيم وراحم ورحمان، وفلان عالم وعليم، وفلان غفور وغافر، وفلان تائب وتواب .
وأهل السنة من الأشاعرة والماترودية وأهل الحديث في هذه الأوصاف التي لا خلاف في وصفيتها يثبون الظاهر القطعي (النص عند الأصوليين) وهو المشترك المطلق الكلي، وينفون اللازم لأن لازم هذه الأوصاف تعلقت بالجوهر المشخصة فيه، وجهلنا بالذات الإلاهية يجعلنا نجهل كنه هذه الصفات على ما هي عليه خارجا.
ولو سلمنا تسليم الجدل بقول الحشوية والمجسمة أننا نثبت ظاهر الذات ونثبت ظاهر الوصف لم تكن القضية تحوي مجهولا واحدا، وكان التكييف الله تعالى مجهولا والتشبيه لازما لزوما لا انفكاك منه، والله أعلم