ملحق بــ(الحلقة 29)
(الأئمة الذين صرحوا بعدم القول بالمطلق الكلي التي تكون مصاديقه ذواتا)
اعلم رحمك الله أن الأئمة كانوا على وفاق أن مذهب السلف هو إثبات اللفظ وتفويض المعنى، كما صرح بذلك الإمام أبو سليمان الخطابي، وأن السلف لم يردوا الأحاديث بل أثبتوها وفوضوا المعاني ولم يفسروها، وكان إنكارهم على من خالفهم من المؤولة لأنهم فسروا ما أمسك عنه السلف، فالظاهر والذي هو القول بالتجسيم والجارحة اتفق السلف على عدم القول به، وما ردّ من ردّ على المفسرة من الخلف إلا لأنهم خالفوا السلف بخضوهم فيما أمسكوا عنه.
وقد حمل العلامة ابن تيمية كلام السلف على أنه مؤيد لكلامه ، ومذهبه مردود بصريح قولهم، ويؤكده سابق كلامهم ولاحقه، وهذا وحده ينسف كلامه من أسّه، وقد رأيناه يستدل بكلام الإمامين الخطابي والخطيب وقد أوردنا بما لا يترك مجالا للتردد أنهما على مذهب السلف من التفويض مع تأويلهم في مواضع.
- الحافظ لترمذي في سننه (4 / 692) وهو يعلق على الحديث رقم (2557): (والمذهب في هذا عند أهل العلم من الأئمة مثل سفيان الثوري ومالك بن أنس ، وابن المبارك ، وابن عيينة ، ووكيع، وغيرهم أنهم رووا هذه الاشياء ، ثم قالوا : تُروى هذه الاحاديث، ونؤمن بها، ولا يقال: كيف . وهذا الذي اختاره أهل الحديث أن تروى هذه الأشياء كما جاءت ويؤمن بها ، ولا تفسر ، ولا تتوهم ، ولا يقال: كيف ، وهذا أمر أهل العلم الذي اختاروه وذهبوا إليه ).
- الحافظ الذهبي في السير (08/104) بعد أن ذكر قصة الإمام مالك مع ابن عجلان، قال: (قلت: أنكر الامام ذلك، لأنه لم يثبت عنده، ولا اتصل به، فهو معذور، كما أن صاحبي ” الصحيحين ” معذوران في إخراج ذلك أعني الحديث الأول والثاني لثبوت سندهما، وأما الحديث الثالث، فلا أعرفه، بهذا اللفظ، فقولنا في ذلك وبابه: الاقرار، والامرار، وتفويض معناه إلى قائله الصادق المعصوم).
- الحافظ الذهبي في السير (08/105): (وقال ابن عدي: حدثنا محمد بن هارون بن حسان، حدثنا صالح بن أيوب، حدثنا حبيب بن أبي حبيب، حدثني مالك قال: “يتنزل ربنا تبارك وتعالى أمره فأما هو، فدائم لا يزول”.
قال صالح: فذكرت ذلك ليحيى بن بكير، فقال: حسن والله، ولم أسمعه من مالك.
قلت (الذهبي): لا أعرف صالحا، وحبيب مشهور، والمحفوظ عن مالك رحمه الله رواية الوليد بن مسلم أنه سأله عن أحاديث الصفات، فقال: أمرها كما جاءت، بلا تفسير).
- الحافظ ابن حجر العسقلاني في الفتح بعد أن استعرض كلام العلامة ابن دقيق العيد فيما تشابه من الصفات (13/383): (… وبأن أصل ما ذكروه قياس الغائب على الشاهد وهو أصل كل خبط، والصواب الإمساك عن أمثال هذه المباحث والتفويض إلى الله في جميعها والاكتفاء بالإيمان بكل ما أوجب الله في كتابه أو على لسان نبيه إثباته له أو تنزيهه عنه على طريق الإجمال وبالله التوفيق، ولو لم يكن في ترجيح التفويض على التأويل إلا أن صاحب التأويل ليس جازما بتأويله بخلاف صاحب التفويض).
- العلامة ابن أبي يعلى في كتاب الاعتقاد (ص 31): (فإن اعتقد معتقد في هذه الصفات ونظائرها مما وردت به الآثار الصحيحة التشبيه في الجسم والنوع والشكل والطول فهو كافر.
وإن تأولها على مقتضى اللغة وعلى مجازها فهو جهمي.
وإن أمرها كما جاءت من غير تأويل ولا تفسير ولا تجسيم ولا تشبيه كما فعلت الصحابة والتابعون فهو الواجب عليه).
- روى الحافظ البيهقي رحمه الله بسنده عن الإمام الأوزاعي في كتاب الاعتقاد (ص: 93): (كل ما وصف الله تعالى به نفسه في كتابه فتفسيره تلاوته والسكوت عليه).
- العلامة الإمام بدر الدين بن جماعة في كتابه (إيضاح الدليل) (ص: 103): (واتفق السلف وأهل التأويل على أن ما لا يليق من ذلك بجلال الرب تعالى غير مراد كالقعود والاعتدال واختلفوا في تعيين ما يليق بجلاله من المعاني المحتملة كالقصد والاستيلاء فسكت السلف عنه وأوله المؤولون على الاستيلاء والقهر لتعالي الرب عن سمات الأجسام من الحاجة إلى الحيز والمكان وكذلك لا يوصف بحركة أو سكون أو اجتماع وافتراق لأن ذلك كله من سمات المحدثات وعروض الأعراض والرب تعالى مقدس عنه).
- الإمام شرف الدين النووي رحمه الله في شرح مسلم (5/24): (هذا الحديث من أحاديث الصفات، وفيها مذهبان، أحدهما، الإيمان به من غير خوض في معناه مع اعتقاد أن الله تعالى ليس كمثله شيء، وتنزيهه عن سمات المخلوقات، والثاني، تأويله بما يليق).
- أسند اللالكائي عن محمد بن الحسن الشيباني رحمه الله: (اتفق الفقهاء كلهم من المشرق إلى المغرب على الإيمان بالقرآن، وبالأحاديث التي جاء بها الثقات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في صفة الرب من غير تشبيه ولا تفسير فمن فسر شيئا منها، وقال بقول جهم فقد خرج عن ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وفارق الجماعة لأنه وصف الرب بصفة لا شيء).
- الحافظ اسحاق بن راهويه رحمه الله في تفسير سورة المائدة: (قال الأئمة: نؤمن بهذه الأحاديث من غير تفسير، منهم: الثوري، وابن عيينة، ومالك، وابن مبارك).
- إمام الحرمين أبو المعالي الجويني في الرسالة النظامية: (وذهب أئمة السلف إلى الانكفاف عن التأويل، وإجراء الظواهر على مواردها، وتفويض معانيها إلى الله تعالى).
وستأتي نقولات أخرى تنقل مذهب السلف في الباب، كما أننا سنفرد للأئمة الكبار حلقات تخصهم في الباب.