التنبيه: قد أشرنا في قسمة سابقة إلى أنّ القطع قد يطلق باعتبار العلم في نفسه فيكون العلم قطعيا قطعا مطلقا[1]، أو باعتبار القاطع فيكون العلم قطعيا قطعا نسبيا[2] أي (عنده دون غيره).
أقول: لكون سائر العلوم الشرعية واللسانية قد تعلقت بهذه القسمة فقد دعت الحاجة إلى تفصيلها التفصيل الكامل حتى نبينها كليا فلا يبقى للطالب لاحقا إلا التفريع الحسن.
- العلم العقلي القطعي: أما ماهية هذا النوع من العلوم فتتجلى بالقسمتين التي قسمناهما سابقا:
- فهو العلم الذي يكون العقل حكما فيه ولا يحتاج في حكمه إلى واسطة.
- وهو القطعي أي ما كان وصفُ التشبيه والتشكيك فيه عدميًا.
ويتجلى هذا النوع من العلوم في:
- العلم المتعلق بالواجب العقلي.
قلت: اعلم – رحمك الله – أن الواجب: هو ما لا يتصور امتناعه، وهو نوعان:
- واجب لذاته: وهو ما لا يتصور امتناعه بحال من الأحوال خارجا.
- واجب لغيره: وهو ما يتصور امتناعه لذاته، ولا يتصور امتناعه لغيره[3] خارجا.
مخطط الواجب العقلي باعتبار وجوبه لذاته أو لغيره:
[1] من رحمة ربنا بنا أن جعل ما يدل على ما يفرق بين الإسلام والكفر من القطع المطلق، فجعل سبحانه أصول الإيمان يدل عليها عقلي قطعي أو نقلي قطعي، فشهادة أله إلا الله متصفا بكل كمال بالغ في كمال غايته من القواطع العقلية لذاتها، وشهادة أن محمدا رسول الله من القواطع العقلية لغيرها، وجعل باقي أركان الإسلام من القواطع النقلية، فالأولان دلّ عليهما العقل وصدقهما النقل، والباقون دلّ عليهما النقل ولم يمنعهم العقل، وهذه نفيسة جدا لمن تدبرها.
قلت: القطع المطلق لازم لكل عاقل، ولا عذر فيه لمن بلغه، لأن حجته لازمة لدلالة القطعي العقلي والنقلي عليه.
[2] من رحمة ربنا بنا أيضا أن جعل القطع النسبي لازما لصاحبه دون ما سواه، وشرطه أن يكون القاطع ممن تتوافر فيه صفة القدرة على النظر، وإلا فهو غير مخاطب بالنظر لأنه لا تكليف إلا بمقدور كما أشرت سابقا، وقد جاء الدليل النقلي على حرمة من تلبس بلباس العلم وهو ليس أهلا له، في قوله تعالى: { وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون }.
[3] وهذه من الكليات النفيسة جدا التي تنبني عليها مسائل كثيرة، فبها نفهم ماهية العمد في الأسلوب الخبري والطلبي، ونفهم ماهية الركن في الطاعات، ووو … .