الردّ على من قال إن القول في الذات هو القول في الصفات:
النقطة الثانية : وجه ثاني في مباينة الأوصاف للذوات تأصيلا وتفريعا.
الصفة كما عرفها ابن منظور في اللسان هي التحلية فقد قال: وصَف الشيءَ له وعليه وصْفاً وصِفةً: حَلاَّه.
أقول: والتحلية في لسان العرب تكون بزنة اسم الفاعل والصفة المشبهة واسم المفعول وأفعل تفضيل، ولا نعرف توصيف أو تحلية بزينة غيرها، أي كل اسم دلّ على ذات وحدث بالمطابقة، فنفيد منه الدلالة على الذات بالصيغة، والدلالة على الحدث بأحرف بناء زنته، كالضارب تدل على من ضرب بصيغة فاعل، وتدل على حدث الضرب بالأحرف التي تبني زينته (ض،ر،ب).
ولتتميم الفائدة نقول: إن كان الاسم دالا على الذات ولا دلالة له على الحدث فهو اسم عين ولا يجوز التوصيف به إلا بتأويل كقولنا: زيدٌ يدٌ أي يتصدق كثيرا، فتكون اليد بمعنى الكريم والمعطاء، وإن كان الاسم دالا على الحدث ولا دلالة فيه على الذات فهو إما اسم معنى إن كان خاليا من الدلالة على الزمن، أي يكون حدثا مطلقا، ويكون فعلا إن كان مقرونا به وفي تي الحالتين لا يجوز التوصيف به إلا بتأويل.
واما أوزان أسماء الأعيان فلا تكاد تحصى كثرة، لكونها إما أوزان مختصة بالأسماء وقد تكون منقولة أو مرتجلة، بل قد تكون أوصافا أو أفعالا غلبت عليها العلمية، أو نقلت إلى العلمية.
فإن تبين هذا أخي الكريم اعلم أن الصفات التي هي صفات لغة لا إشكال فيها عند أهل السنة جميعا وهي التسع والتسعون المذكورة في حديث :(إن لله تسعا وتسعين اسما) فهي كلها على وزن فعيل أو فاعل أو أفعل أو فعلان ، وقد نضيف لها وصف المعبود فندخل مفعول أيضا.
وأما ما خالف فيه من تلبس بالحشوية فهو ما يصطلحون عليه هم بالصفات الخبرية وهي التي نسميها نحن بالذوات كاليد والعين والرجل والساق والجنب والأصابع والوجه والقدمين ويضاف لها الإزار والرداء والحقو من الأعيان، ومن الأفعال: يمشي ويهرول ويجيء ويأتي وينزل ويستوي ويضحك ويعجب.
فهذه اوزانها إما لا معنى للحدثية فيها فلا تقبل الوصفية لغة أو عرفا أو عقلا، أو اقترن الحدث فيها بالزمن فهي أفعال، ولا تقبل اللغة وصفيتها.
ووجه زللهم في الباب أنهم يقولون قد ثبت النص بها، ولم يفهموا أن ثبوت النص بها على سبيل الكينونة والنسبة لا على وجه الوصفية القائمة بالشيء إن كان حدثها لازما أو قائم بها الشيء إن كان حدثها متعديا، فالحدثية فيما ذكرنا من الذوات تعلقت بالكينونة، فعندما يقال عرفا: صف لي بيتك فأقول: بيتي فيه أربعة غرف ومجلس فأنا أصف البيت بكينونة وجود الغرف والمجلس لا أن الغرف والمجلس أوصاف في نفسها، وهذه بديهية يخالفون فيها.
ثم إن نسبة الذات للذات ممتنع عقلا إلا على سبيل الكينونة، كما أن نسبة الحدث للحدث ممتنعة عقلا إلا بتأويل، والممتنع عقلا ممتنع عرفا كما هو معلوم عند أهل النظر، وسيأتي بيان ذلك تفصيلا في مقال يخصه
الغرض من هذه النقطة والتي قبلها دفع ما طرده العلامة ابن تيمية رحمه الله في قوله عندما يؤصل في مسألة الصفات على القول في الذات.