خلط الماهيات ( عدم التفريق بين الوصف والإضافة)
اعلم رحمك الله أنه لا يجوز عقلا أن نسند ذاتا إلى ذات إلا بتأويل كما لا يجوز لنا أن نسند حدثا إلى حدث إلا بتأويل، فالإسناد لابد له من مسند متوفرة فيه معنى الحدثية، ومسند إليه لا يكون إلا ذاتا أو مؤولا بذات، فلا يقال في اللسان العربي ولا غيره من الألسنة (زيد يد) إلا إذا أولنا اليد بالعطاء والسخاء، وقد قلت إن هذا لا يتعلق باللسان العربي فقط، لأن المسائل العقلية لا بد من طردها في كل لسان.
وكي نوسع الكلام أكثر لا يجوز أن ننسب شيئا لشيء وهما حدثان أو ذاتان فلا بد من النسبة أن تكون بين حدث وذات، فلا يقال (يضرب يقف) بلا إضمار ولا تقدير، ولا يقال (محمد زيد) بلا إضمار ولا تقدير، ولكن يقال (كَرَمُ عمرٍو) بنسبة حدث الكرم إلى الذات عمرو ، فوجب من نسبة حدث لذات حتى يصح الكلام ويستقيم.
فإن وجدنا نسبة ذات إلى ذات فلا بد من تقدير الكينونة بينهما ليصح الجمع بينهما، فعندما يقال (غلامُ زيدٍ) وهما ذاتان فقد صحت النسبة بإضمار كينونة وتقدير النسبة (غلامٌ لزيدٍ) واللام هنا للملك، فيقدر الكلام: غلام كائن لزيد على سبيل الملك.
وهذا الذي ذكرناه في نسبة الشيء للشيء وهما ذاتان هو الذي يعرف في علم النحو بالإضافة.
وأما الموصوف والصفة: فلا شك أن الموصوف ذات أو مؤول بذات، ويمتنع ألا يكونهما، والصفة لا بد لها أن تكون حدثا أو كحدث، ويمتنع ألا تكونهما.
فالفرق بينهما جلي واضح لا يجوز أن نطلق أحدهما على الآخر، لأن:
– الأول يمتنع أن يكون إلا ذاتا أو مؤولا بذات تكون النسبة بين المضاف والمضاف إليه فيه نسبة كينونة .
– الثاني يمتنع أن يكون ألا يكون مؤسسا من حدث وذات وإن بتأويل تكون فيه الصفة قائمة بالموصوف أو قائم به الموصوف.
فإن تجلى ذلك فالمفارقة بينهما على ما ذكرت يمنع العقل أن تكون الصفة هي عين الإضافة والإضافة هي عين الصفة.
قد يستهجن بعض النظار سبب التوسع العقلي في التفريق بين الصفة والإضافة فنقول:
– لا شك أن التفريق بينهما بديهي لا يحتاج إلى استدلال عقلي، ولكن هل من خالفنا يعترف بهذه البديهية حتى يكفينا الرد عليه، ولا يطلق على ما لم يرد إلا مضافا أنه صفة.
– الذوات التي نسبت إلى الله تعالى من اليد والعين والرجل والجنب والأصابع والوجه، والثياب التي نسبت إليه من الإزار والرداء والحقو كلها إضافات ففي النقل، { بل يداه مبسوطتان}، { تجري بأعيننا}، (فيضع رب العزة رجله) ، (في رجليه نعلين )، { في جنب الله}، (بين أصبعين من أصابع الرحمن)، { إلا وجهه}، (والكبرياء ردائي) (العزة إزاري)، (بحقو الرحمن).
ولم يُجِزْ حتى من ادعى لها الوصفية أن يقول: الله يد أو عين أو رجل أو جنب أو ساق أو أصابع أو وجه -تعالى الله على ما يقول الظالمون- على ما تكون عليه الأوصاف.
وأما الصفة فتكون تالية للموصوف لازمة له فيقال الله الرحمن الرحيم العليم الحكيم الخبير القهار الجبار المتكبر السميع البصير المؤمن المهين العزيز الغفار،
فإذا تقدمت الصفة على الموصوف استحالت الوصفية إلى إضافة بأن استحال الوصف إلى اسم معنى (مطلق) يعامل معاملة الذات لأنه معان قائمة بنفسها، وينسب إلى ما بعده على وجه الكينونة لاستحالته، فيقال رحمة الله وعلم الله أي رحمة كائنة لله على وجه الاستحقاق، وعلم كائن لله على وجه الاستحقاق.
والناتج من هذا أن الوصفية قد تستحيل إلى إضافة ولا تستحيل الإضافة إلى وصفية مطلقا، وكان الأولى بالمخالف أن يجعل كل ما نسب إلى الله من باب الإضافات لا من باب الأوصاف حتى يكون لكلامه بعض وجهة نظر نستطيع أن نحاججه فيها، بدل الخوض في رد ما علم بداهة عدم صحته.
فإن فرقنا بين الإضافات والصفات تأصيلا وجعلنا حدثية الإضافات نسبة كينونة وحدثية الصفات قيام الوصف بالموصوف أو الموصوف بالوصف، كيف نطرد القول فيهما تفريعا، ونجعل ما هو للصفات كائنا للإضافات والأول ثابت ثبوت كينونة والثاني ثابت ثبوت وصفية والله المعين