اسقاطات مفهوم الظاهر على الذوات – أولا: اليد-
لقطع الباب على كل من قال بالظاهر الذي لا يكون جارحة فيما يعرف عندنا بالجزء والبعض، سنذكر ما قاله أصحاب المعاجم في مسمى هذه الأجزاء لغة، لننظر هل لها معنى آخر يستطيع العقل البشري أن ينصرف لها، وسنبدأ إن شاء الله تعالى بـ(اليد).
– قال الفروزبادي في القاموس المحيط مادة (اليد):
(اليَدُ: الكَفُّ، أو من أطْرافِ الأصابِعِ إلى الكَتِفِ، أصْلُها يَدْيٌ، جمع: أيْدٍ ويُدِيٌّ، جمع جمع: أيادٍ، واليَدَى، كالفَتَى: بمعناها (أي اليد)، كاليَدَةِ واليَدِّ، مُشددةً، وهُما يَدانِ.
واليَدُ: الجاهُ، والوَقارُ، والحَجْرُ على مَنْ يَسْتَحِقُّهُ، ومَنْعُ الظُّلْمِ، والطَّريقُ، وبِلادُ اليَمَنِ، والقُوَّةُ، والقُدْرَةُ، والسُّلْطانُ، والمِلْكُ، بكسرِ الميمِ، والجَمَاعَةُ، والأكْلُ، والنَّدَمُ، والغِياثُ، والاسْتِلامُ، والذُّلُّ، والنِّعْمَةُ، والإِحْسانُ تَصْطَنِعُهُ)
– قال ابن فارس في المعجم في مادة (يد):
(الياء والدال: أصلُ بناء اليَدِ للإنسانِ وغيره، ويستعار في المِنَّة فيقال: له عليه يدٌ، ويجمع على الأيادي واليُدِيّ. قال: واليَدُ: القُوَّة، ويجمع على الأيدي، وتصغير اليد يُدَيَّة.وجَمَع ناسٌ يدَ الإنسان على الأيادِي، فقال:
ساءهَا ما تأمَّلَتْ في أياديـ ـنا وإشناقُها إلى الأعناق
وحكى الشيبانيُّ امرأة يَدِيَّةٌ، أي صَنَاع، ورجلٌ يَدِيٌّ، وما أيْدَى فُلانَةَ، ويَدِيَ مِنْ يَدِه يُدعَى عليه، ويَدَيْتُ على الرجُل: مَنَنْتُ عليه. قال:
يَدَيتُ على ابنِ حسحاسِ بن عمروٍ بأسفَلِ ذي الجَدَاةِ يَدَ الكَريمِ
ويَدَيْتُه: ضَربتُ يدَه).
أقول: اليدُ في العرف اللغوي الكفُّ وقيل من أطراف الاصابع إلى الكتف، وقد ذكر العلماء ذلك على وجه الحقيقة فيها، وقد أوردوا إطلاقها على غير الحقيقة من باب الاستعارة (المجاز) على القدرة، والعطاء، والقوة ، والنعمة، والإحسان، والنعمة، والذل، والأكل، وو مما هو محصور لغة.
أقول: فأي ظاهر يقول به من أثبت اليد على ظاهرها ولا يريد بالظاهر الجارحة ونقل على من قال بها الإجماع على كفره، ولا يرى بالتأويل فيقول بـــ(القوة والقدرة والعطاء والنعمة والإحسان والذل والأكل )، بل يرى بفسق من أوّل وصرف اللفظ عن الحقيقة إلى المجاز، قد يعلق بعض من لم يفقه اللسان العربي أن المجاز لا وجود له في لسان العرب فنرد عليه أننا سنأتي بمقال خاص نلقم من ردّه حجرا يغص به.
سبحان ربي من خالف الحق اضطرب وتعددت الردود عليه بما لا يندفع.
قد يقول المخالف: إن (اليد) ثابته لله تعالى على وجه الكينونة لورود النص بها، ولا نستطيع تحديدها لجهلنا بالعالم الأخروي، وقد نقل عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه (ليس في الجنة شيء يشبه ما في الدنيا إلا الأسماء)، وقد أخبرنا ربنا عن نعيمها من وديان العسل واللبن، وكثرة الفواكه والجنان، فإن كان التوافق بين نعيم الدنيا والآخرة في الأسماء فقط، فالمفارقة بين الخالق والمخلوق أولى.
فنقول: هذا الذي أوردته ردٌ عليك وليس لك، لأننا لا نتكلم على ما سنعلمه يوم القيامة ونخرج به من الظنيات إلى القطعيات، بل نتكلم على ما وجب اعتقاده في الدنيا، ونحن لا ننفي وجود يدٍ، لورود النص بها، ولكننا لا نقول بالظاهر لأنه لا ظاهر لها إلا الجارحة، ونفوّض العلم بها إلى الله تعالى، ونعتقد أنها من المتشابهات التي وجب أن نحملها على المحكمات، وسيأتي بيان مسألة المحكم والمتشابه في مبحث يخصه نبين فيه علقته مع مبحث الصفات
وما نقوله لمن تلبس بالتجسيم: إذا أردتم بالظاهر الجارحة فأنتم مشبهة، وإن لم تريدوه وقصدتم معنى من المعاني التي جاء بها اللسان وليس الجارحة فأنتم مؤولة، وإن لم تقصدوا الجارحة ولا المعاني الأخرى فأنتم مفوضة مهما زخرفتم القول وتلاعبتم بالعبارات.