اسقاطات على قول بالظاهر – ثانيا العين –
قبل أن أبدأ استعراض مادة العين في لسان العرب واستعمالاتها على وجه الحقيقة والمجاز سأطرح بعض الاعتراضات على المجسمة في مسألة (العين) والتي لن يجدوا لها مخرجا.
– لم يرد في منطوق الكتاب أو السنة لفظ العينين مطلقا بل الوارد العين الواحدة، والأعين بالجمع فـــ:
في القرآن: { تجري بأعيننا}، {وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا}، {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا}، {لتصنع على عيني}.
وفي السنة:
أ- في الجامع الصغير للسيوطي: (إذا عَظَّمَتْ أُمَّتِي الدَّنْيا نُزِعَتْ مِنْها هَيْبَةُ الإِسْلامِ وإذا تَرَكَتِ الأَمْرَ بالمَعْرُوفِ والنَّهْيَ عَنِ المُنْكَرِ حُرِمَتْ بَرَكَةَ الوَحْيِ وإذا تَسابَّتْ أُمَّتِي سَقَطَتْ مِنْ عَيْنِ الله).
ب- وفي كنز العمال لابن عساكر: ( عن مغراء الضبي قال : لما قدم عبد الله بن عامر الشام أتاه من شاء الله أن يأتيه من أصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم – وغيرهم إلا أبا الدرداء فإنه لم يأته فقال لا أرى أبا الدرداء أتاني فيمن أتى فلآتينه ولأقضين من حقه فأتاه فسلم عليه وقال أتاني أصحابك ولم تأتنى فأحببت أن آتيك وأقضى من حقك فقال له أبو الدرداء ما كنت قط أصغر في عين الله ولا في عيني منك اليوم إن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أمرنا أن نتغير عليكم إذا تغيرتم).
ولم أقف لهم على دليل يستدلون به على وجود العينين دون العين والأعين اللتان ورد النص بهما إلا حديث واحد بل لم أقف على ما يدل على العين والأعين إلا ما ذكرت، وحديثهم في العينين:
1- عن نافع: قال عبد الله: ذكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوما بين ظهري الناس المسيح الدجال فقال: (إن الله ليس بأعور، ألا إن المسيح الدجال أعور العين اليمنى، كأن عينه عنبة طافية).
أقول: منطوق الحديث لا يدل على أن الله متصف بالعينين تعالى الله عما يقولون، بل منطوقه دال على أنه ليس بأعور، ومن المعيب أن تفعل دلالة المفهوم في مسألة عقدية لا ينبني من وراءها عملٌ، وقد اختلف العلماء في كونه نوعا من الدلالة التي يحتج بها، وسترى أخي الحبيب أختي الفاضلة أن استدلالهم هنا في غير محله مطلقا، ولندلل على ذلك نقول:
– العور في اللغة لا يلزم منه العينين، لأنه مرض وانطفاء لعين من الأعين، قال الفيروزبادي في القاموس: (العَوَرُ: ذَهابُ حسّ إحْدَى العَيْنَيْنِ)، وقال ابن منظور في اللسان: (العَوَرُ: ذهابُ حِسِّ إِحدى العينين)، قال ابن فارس في المعجم: (لعين والواو والراء أصلانِ: أحدهما يدلُّ على تداوُلِ الشّيء، والآخر يدلُّ على مرضٍ في إحدى عيني الإنسان وكلِّ ذي عينينِ).
إذا تدبرت أخي الحبيب كلام الأئمة في مادة (عور) ستجد أن معنى العور هو انطفاء إحدى العينين، وقولهم بالعينين لأن العرف في عالم الناسوت كذلك، فحكوا لغة بما هو متعارف عليه، وقد أبان النبي صلى الله عليه وسلم عن عور الدجال بقوله: (أعور العين اليمنى، كأن عينه عنبة طافية)، وهذا الحكم متفرع عن وجود العينين لا غير، فهو دليل تابع لغيره ولا يكون حاكما على غيره، فلزم دليل صريح بالعينين لله تعالى عما يقولوا الظالمون.
أقول: فإن ظهر هذا وبان، اعلم أخي الكريم أختي الكريمة أننا نفوض العين ولا نتكلم فيها، ونقول فيها ما قال السلف: إنما تفسيرها تلاوتها، ولا نفعل كما يفعل المشبهة الذين بنو دينهم على حديث (كيف رأى ربه قال أجعدا أمردا على كرسي جالس في رجليه نعلين خضروين) وحديث ( إن الله خلق آدم على صورة الرحمن) حتى قال أحد فضلائهم (أبي يعلى الحنبلي كما أوردها عنه ابن الجوزي): (ألزموني بكل شيء إلا الفرج واللحية)، وإلا فما دليلهم على العينين دون العين والأعين.
تفصيل الكلام في العين:
قال ابن فارس في المعجم: (العين والياء والنون أصلٌ واحد صحيح يدلُّ على عُضوٍ به يُبْصَر ويُنظَر، ثم يشتقُّ منه).
قال الجوهري في الصحاح: (العَيْنُ: حاسَّة الرؤيا، وهي مؤنَّثة، والجمع أعْيُنٌ وعُيونٌ وأعْيانٌ، وتصغيرها عُيَيْنَة، ومنه قيل: ذو العَيْنَتَيْنِ، للجاسوس، ولا تقل: ذو العُوينتين، والعَيْنُ عَيْنُ الماء، وعَيْنُ الركبة، ولكلِّ ركبة عينان، وهما نقرتان في مقدّمها عند الساق، والعَيْنُ عَيْنُ الشمس، والعَيْنُ الدينار، والعَيْنُ المالُ الناضُّ، والعَيْنُ الديدبان، والجاسوس).
وقال الفروزبادي في القاموس: (العَيْنُ: الباصِرَةُ).
أقول: ذهب المعجميون إلى أن العين تطلق حقيقة على عضو الإبصار، وحتى لا نطيل الكلام في الباب نعرف الجارحة المحضورة شرعا وعقلا وعرفا عن الله تعالى، قال ابن منظور في اللسان: (وجَوارِحُ الإِنسان: أَعضاؤُه وعَوامِلُ جسده كيديه ورجليه، واحدتها جارحة. لأَنهن يَجْرَحْن الخير والشر أَي يكسبنه).
فبربكم أي ظاهر يقولون به وهم ينقلون الإجماع على كفر من قال بالجارحة لله تعالى، ولا نعرف معنى للعين في اللغة إلا الجارحة، وهل يعدل هذا التحكم والتخرص والتقول والتعمق والقول على الله بغير علم ولا سلطان مبين، ولم يكتفوا بذلك فقط بل هم يمتحنون الناس بإثبات العينين، فمن أثبتها هو من أهل السنة ولم يثبتها هو مبتدع والله المعين، وهم فيما ذهبوا إليه مضطربون متكلفون ويقولون على الله ما لا يعلمون.