نقطة هامة جدا ( تحديد نقطة البحث)
بناء على مكالمة هاتفية دارت بيني وبين أحد الأفاضل في تحديد نقطة البحث من كلام العلامة ابن تيمية رحمه الله تعالى، أقول: كان الظنُّ أن الأمرَ واضحٌ جليٌ في تحديد نقطة البحث لأن المستشكل من كلامه يبين الحمل الذي أعالجه فيه، فقد قلت في غير موضع أن الصفات الواضحات نحن نقول بالنص فيه أي الظاهر القطعي الذي يمنع غيره، وليس الظاهر الظني أي الظاهر عند المناطقة والأصوليين.
وحتى أرفع اللبس كاملا أقول:
ظن بعض الأفاضل إلى أن نقطة البحث الأولى قد تعلقت بطرد القول في الصفات على القول في الذات من باب تبعية الصفة للذات تأصيلا في نفي كيف الصفةِ للجهل بالذاتِ (وهو ما نعرفه نحن بتشخيص الأوصاف المطلقة على الذوات)، (أو نفي الحال في الذوات)، وكنت قد بيّنت قبل أن نقطة البحث ليست تيك في حلقة (نفي الكيف لا يدفع شبهة التشبيه في الذوات).
وقد أكدت الكلام مرارا أنّ نقطة البحث هي القول في الصفات يمتنع أن يطرد على القول في الذات لأن المباينة بينهما (الذات والصفات) لازمة تأصيلا وتفريعا ، وقد ناقشت إصرار العلامة ابن تيمية على إثبات الظاهر وطرده بينهما تأصيلا وتفريعا، ومذهبهم الذي ذهبوا إليه خرجوا به عن مقصودي مطلقا من البحث، وسأبين أكثر للحاجة إلى ذلك لأنني توهمت في القارئ المخالف أنه أكثر نضجا وفهما للكلام وأكثر دقة في فهم المقصود، وقد كلفني اليوم مالا حتى أشتري وصلة الأنترنت وأكتب هذه الكلمات.
قلنا: إن الصفات التي هي صفات عقلا وعرفا لا خلاف فيها ما لم تكن نقصا أو أشعرت بنقص، وسنأتي إلى قاعدة: كل ما ثبت لله تعالى من الأوصاف التي دلت على الكمال المطلق ودلّ عليها صريح المنقول أو المعقول وجب نسبتها إلى الله تعالى على ما يليق به سبحانه، وأقول: (المعقول أيضا) ولم أقصرها على المنقول لأن وجوب وجوده يلزم اتصافه بكل كمال وبلوغه في كل كمال غايته التي تليق به سواء أدركنا ذلك الكمال أو لم ندركه سواء أُخبرنا به أو لم يخبرنا (وهذه كلية) ، فقد يفتح الله على بعض خلقه بقوة عاقلة تمكنه من التبصر ببعض الكمالات التي تخفى على غيره ومن ذلك حديث (أو علمته أحدا من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك).
وكل ما نسب إلى الله وكان نقصا صريحا في حق واجب الوجود وجب صرفه عن الله تعالى، ومن النقص الصريح (مثال فقط) تعلق وجوده بوجود غيره فيكون عالة عليه وقد جاء النص بنفيه كما دلّ العقل على نفيه أيضا في قوله تعالى: {ولم يولد}
ومن هذه القاعدة الكلية لنا أن نستنتج حال الإسقاط:
– وجود كمالات لا نقص فيها نسبت إليه سبحانه عقلا أو نقلا.
– وجود نقص لا كمال فيه وهي مما نسب إلى الله تعالى كالملل والنسيان.
– ما اختلف فيه بين نقص وكمال وليس من باب الواجب أو الممتنع وهي من باب الممكن، وقد اختلف السلف من مثبت لبعضها وناكر لبعض حسب تصورهم للنقص أو الكمال.
وهذه القاعدة التي نطردها في الباب تجمع المسألة كلها، ونحن نفوض في الصفات التي لا خلاف في وصفيتها الكيف لجهلنا بالذات ( القول في الصفات فرع عن القول في الذات) فلا نلزم بذلك مطلقا، بل نحن نلزمكم به كما سيأتي في الحلق القادمة. ونثبت الظاهر القطعي (النص) كما قدمت في بعض الحلقات.
ومعنى العبارة في هذا الباب ( القول في حقيقة الصفات فرع عن القول في الذات، ولما جهلنا الذات جهلنا حقيقة الصفات على ما هي عليه، فنفوض الكيف فيها).
ومعنى آخر نستطيع أن نقوله في العبارة، وهو قول المفوضة كالخطابي وأبي بكر الخطيب الذين ينقل عنهما العلامة ابن تيمية الاجماع في القول في الصفات، ومعناه أننا نثبت الأوصاف لله تعالى إثبات وجود كإثباتنا الذات إثبات وجود وهذا وجه طرده وهو صحيح باعتبار، والوجود هنا الكينونة التي تكلمنا حولها قبل فالكلام من خلال منظور الخطابي والخطيب خارج نقطة بحثنا مطلقا بل صريح في التفويض كما سيأتي في باب النقول عند قولهما: ( فلا يقال هي جارحة ولا نؤولها) وقولهما: (من قال إنها جارحة فقد كفر ومن أوّلها فقد ضلّ وزلّ) فالكلام لم يتعلق بما ذكر لأنه لا خلاف فيه كلا خلاف في التخريج الأول.
ونقطة البحث هي مسألة القول على الذوات كالقول على الصفات تأصيلا فيهما أي في عين مسمى الذات ومسمى الصفات، وإجراء أحكام الصفات على الذوات في الظاهر، فنحن نقول: القول على الصفات يباين القول في الذوات لوجود ظاهر يدل على كمال الله تعالى في الصفات وقد نصرف الظاهر إذا دل على نفص أو أشعر بنقص أو لزمه نقص، ولا ظاهر في الذوات إلا الجارحة وهي ممتنعة عن الله تعالى.
وأما الأفعال فتأصيلها كتأصيل الأوصاف في باب الظاهر لإشعارها بالحدثية، ومناقشتها ستكون من باب هل فيها نقص أو تشعر بنقص أو يلزمها نقص، وهو مبجث سنردف القول فيه لا حقا تفصيلا.
وقد خضنا أيضا – وكان الود أن يكون الكلام على العام في صفحتي ولكن لعدم وجود الشبكة وبعدي عن البيت قد حيل بيني وبين مبتغاي- في مسألة المشترك وإطلاق ابن تيمية التواطؤ في الباب والتشكيك على قول بعضهم، وقد بينت له وجه خطئه في الباب أيضا، وسأفصل الكلام في مقال وحلقة تخصهما أبين ماهية التواطؤ وماهية التشكيك والعلة التي دفعت ابن تيمية إلى القول بهما في الباب ووجه خطئه فيه، والله أعلى وأعلم
فانبته بارك الله فينا وفيكم.