تفصيل الاشتراك اللفظي والمعنوي
تنويه: اعتذر من الإخوة الأفاضل والأخوات الفضليات على عدم الترتيب الحسن لبعض المباحث، فأنا أكتب بما يحضرني لما بحثته قبل سنوات عندما أجد سعة من الوقت، وفي بعض الأحيان أتكلف الوقت فأكتب وأنا مرهق ذهنيا، ولكنني أعدكم بأنني سأرتبها ترتيبا حسنا عندما أنتهي من الكلام حول المعقول وإسقاطاته.
مبحث الاشتراك:
أقول: الاشتراك كما عرفه أصحاب المعاجم اللغوية:
– قال ابن منظور في اللسان: (الشِّرْكَةُ والشَّرِكة سواء: مخالطة الشريكين. يقال: اشترَكنا بمعنى تَشارَكنا، وقد اشترك الرجلان وتَشارَكا وشارَك أَحدُهما الآخر).
– قال الجوهري في الصحاح: (الشَريكُ يجمع على شُرَكاءَ وأَشْراكٍ والمرأةُ شَريكَةٌ، والنساءُ شَرائِكٌ، وشارَكتُ فلاناً: صرتُ شَريكَهُ، واشْتَرَكْنا وتَشارَكْنا في كذا، وشَرِكْتُهُ في البيع والميراثِ أَشْرَكُهُ شِرْكَةً، والاسم الشِرْكُ).
أقول: الاشتراك افتعال من الشرك، والشرك ما يشركه اثنين فما فوق، والشرك القدر المشترك بين المشتركين لا الشركة فإنها عين المخالطة بين الشركين فما فوق، وتأتي افتعل فيه بمعنى تفاعل كما قرّرها ابن منظور رحمه الله، ومن معاني افتعل كما أوردها ولد زين رحمه في طرته على لامية ابن مالك، قال:
طـــــــــاوع بتي واختر بـــــها وبـــــها*** وافق تفاعل أو وافق بها فعلا
بها تسبب وبالنفس وافعلن وعن***أخي الثلاثة تغني كالتحى فجلا
فهي تأتي لمطاوعة أفعل، ومطاوعة فعل بفتح العين، والاتخاذ، والاختيار، وموافقة تفاعل وهو مرادنا من هذا التفصيل، وموافقة فعّل، وموافقة تفعّل، والتسبب، وفعل النفس، والإغناء عن الثلاثي.
وأما تفاعل فتأتي دالة على –كما أورده ولد زين في طرته على لامية ابن مالك- تفاعل اشرك بها وطاوعن وقد*** تبين عكس الذي بفاعل نزلا
تعاللت هند أو معنى المجرد أو *** إهمــاله فتعالى الله جلّ وعلا
فهي تأتي للإشراك ومطاوعة فاعل وتبيين العكس وتكون بمعنى المجرد أي فعل .
أقول: فالاشتراك مشاركة وتشارك، ولا بد أن يكون فيه خلطة بين المتشاركين، والقدر المشترك بينهما شرك، وفعل الاشتراك شركة، ومنه الشرك بالله فهو أن تجعل لغير الله تعالى ما يلزم لله سبحانه دون غيره، فالله أغنى الشركاء عن الشرك، فمن أشرك مع الله غيره تركه هو وشركه.
أقول: أظن أن هذا التخريج الذي خرجته من كلام المعجميين والصرفيين يجلي المعنى ويوضحه.
الاشتراك عند المناطقة: اعلم رحمك الله أن الألفاظ باعتبار وضعها إما أن تنفرد بالمعنى فلا شركة في المعنى أو اللفظ ويسمى فعل نسبة اللفظ للمعنى هنا بالاختصاص، فإن وقعت الشركة في المعنى دون اللفظ سمي مرادفا، وان وقعت الشركة في اللفظ دون المعنى سمي اشتراكا، فالاشتراك في الباب اشتراك لفظي، لأنه توافق في اللفظ دون المعنى كالعين الجارية والجارحة، والقرء الذي هو أول طهر وأول حيض.
وقد تنقسم الأسماء باعتبار آخر فهي إما أن تتواجد في الذهن لا وجود لها في الخارج إلا مشخصة، وقد يكون تشخصها بالفعل أو بالقوة، وحال كونها متعددة بالقوة فهي قد تكون من باب الموجودات أو المعدومات كما هو معروف في علم المنطق.
وقد تكون لها وجود في الذهن ووجود في الخارج.
وأما النوع الأول من الأسماء فهي الأسماء الكلية، والنوع الثاني من الأسماء هي الأعيان (الجزئيات على تعبير المناطقة).
والكليات المتعددة بالفعل أو بالقوة قد تكون في تعددها متفاوتة لأنها أوصاف قابلة لذلك أو جامدة لا تقبل التفاوت، والنوع الأول يسمى المشكك عند المناطقة، والثاني هو ما يعرف عند المناطقة بالمتوطيء.
ولنجمع بين القسمتين مما يتعلق بالمبحث لنجلي المسألة على ما ينبغي لها، نقول:
الالفاظ المشتركة إما أن يكون القدر المشترك بينها من باب الكليات أو الجزئيات (العينيات).
فإن كان المشترك بينهما من باب الجزئيات فالتوافق بين الأسماء لن يكون إلا من باب العلمية، والتوافق في الوضع الأول، والعلمية عرفها ابن مالك في الكافية فقال:
ما عين المعنى بلا قيد علم***نحو سعيد وعماد وحكم
فإن خلا من سابق استعمال*** كمدحج فانسبه لارتجال
وما سوى المرتجل المنقول *** نحو سعيد هكذا سلول
والوضع قد عرفه ابن أبي عاصم اللخمي في المرتقى:
الوضع أن يجعل للمعنى علم*** لفظ يفيد ما لدى النفس ارتسم
قد يقول القائل: ما ضابط الوضع الأول وأنت تقول نقلا عن ابن مالك أنه قد يكون منقولا، وهذا تناقض منك واضطراب.
فنرد عليه أن النقل نوعان، نقل لعلة لا يسمى في علم المنطق بالاشتراك بل بالمجاز، ونقل لغير علة هو من باب الاشتراك لا المجاز، لأنه في المنقول نفسه وضع أولي لعدم التناسب بين اللفظ والمعنى.
وإن كان المشترك بينهما كلي (جنس) فلا يخرج القول عن حالتين اثنين لا ثالث لها:
– أن يكون اللفظ مطلقا غير مقيد ويكون ذهنيا لا خارجا، فلا يخرج عن كونه يقبل التفاوت أو لا، فإن قبل التفاوت فهو المشكك عند المناطقة كالوصف المطلق الرحمة والحكمة والعلم، وإن لم يقبل فهو من المتواطئ كاليد والرجل والعين والأصابع.
– أن يكون اللفظ مقيدا، ووجوده في هذه الحالة إما ذهني إن كان مقيدا لما يحيله إلى نوع أو صنف كالرحمة المطلقة و رحمة الإنسان، والعلم المطلق والعلم البشري، ووجوده خارجي له وجود ذهني إن كان المقيد معينا لا مخصصا كرحمة فلانة ورحمة الله.
والاشتراك في الكليات اشتراك معنوي لا لفظيا فانتبه.
الآن: هب أن القائل يقول: إن الاشتراك المعنوي يكون في الذوات، فنقول: نعم وقد فصلنا ذلك وذكرناه، ولكن ما معنى هذا المشترك المطلق الكلي الذي يكون في الذوات، فما معنى اليد كونها مطلقة ولم تقيد بما يخصصها كيد طويلة أو يعينها كيد زيد، فإن قال: الجارحة، قلنا: أنت ناقل الإجماع على عدم القول بالجارحة، فإن قال: غير الجارحة، قلنا: هو خروج عن الظاهر إلى التأويل، فإن قال: جارحة لا حسية، قلنا: القول باللا حسية في الجارحة لا يخرجها عن كونها جارحة، وإجماعكم أنكر جنس الجارحة ومنها الجارحة المقيدة بلا حس، ونقول له أيضا: كلامكم مضطرب والظاهر (المشترك المطلق الكلي) عندكم ليس من باب الظاهر الأصولي ولا من باب الخفي الأصولي بل هو من باب المجهول الذي لا يعرف كنهه، وهو معنى التفويض الذي ندعو إليه ونصرح به ولا نبالي، والله المعين أولا وأخيرا