المقدمة العامة
فهاك (الدرّةُ اللامعة في تجلية الأصول الجامعة المانعة) وهي ثمرة سنوات من البحث، والتحقيق، والتدقيق، والبث، والبت، بنيتها على المزاوجةِ بين الأصالات العقلية والعرفية ليتجلى الفهمُ ويتضحُ، وذلك ببيانِ العُلْقَةُ الجامعة بينهما، وموضع تواطؤهما وتباينهما، وكذلك شرح سبيل الخوض في العلم بدقة متناهية، وذلك بدراسة المفاهيم وضبطها لدفع الخلافات الصورية التي حشت الكتب العلمية وأوهمت الخلاف ولا خلاف، وقد قدمت لها بمقدمات عقلية لا يستغني عنها ناظر أو يستعيض عنها بغيرها، هي ركن في فهم هذا العلم الفهم الصحيح، ولا يخلو أمر إدراجها من بيان فضل علم المنطق على طالب العلم مطلقا، وقد سامه بعض من تلبس بالعلم بسوء القول تحقيرا له وتنفيرا منه بل وطعنا في صدق من درسه أو درّسه، وفي هذا المقام لا بد من الإشارة إلى شيء فتح الله به عليّ جربته فتيقنته وأنا أعالج طوائف الفرق الإسلامية بشتى مشاربها، وهو: “من ردّ الحق اضطر إليه، لأنه لا انفكاك له عنه”، وقد رأينا الأحناف مضطرين إلى دلالة المفهوم رغم إنكارهم لها، كما رأينا الحنابلة يضطرون إلى القياس وهم ينكرونه، ورأينا الشوافع يردون الاستحسان ولا مناص لهم منه، كما نرى الظاهرية ينكرون مدلول العقل ولا يستقيم لهم قولٌ إلا به، وهل يصح إلا الصحيح في نفسه، وهل يستقيم إلا المستقيم في نفسه، وقد قال الشاعر:
قد تنكرُ العينُ ضوءَ الشمسِ من رمدِ * وينكرُ الفمُ طعمَ الماءِ من سقمِ