القول الفصل في الذات:
اعلم رحمك الله أن شيخي العلامة محمد سالم ولد محمد عالي ولد عبد الودود رحمه الله قد بحث مسألة الذات في نظمه العقدي الموسوم بجملة عقائد السلف والذي قدّم به كتابه التسهيل ، فقال:
يقال نفسه كما قــال: {كتب *** ربكم } الآية أمـا من نسب
ذاتا له فقد عنـــــى التي له *** ملتــــه شرعتـــه سبيلـــه
والأصل أن تضـــــــــاف للإله *** لا للضميـــــــــر أو للفظ الله
كمثل ما قـال خبيب إذ صلب*** وقول نابغة ذبيــــــان الدرب
لأنهـــــــــا تأنيث ذو الملتزم *** فيه إضــــــــــافة لغير العلم
من ظاهر قــال ابن مالك وقد***ذكؤ ما يلزم ذو في ذا الصدد
ذو ذات أنثـــــاه ذوات الجمع *** وجريان الأصل يجري الفرع
نعم أتت مضــــــــــــــافة لله *** في كذبـــــات القانت الأواه
وهو شــــذوذ ونظيــــــره ذو *** بكة مما وجهه الشــــــذوذ
ولتوضيح كلام شيخي رحمه الله أقول: لفظة الذات بمعنى الجوهر مستهجنة شرعا وعرفا فهي لم ترد في كتاب الله ولا في سنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بذلك المعنى، كما لم تعرفها العرب في الجاهليةولا عند من يستشهد بهم في الإسلام بمعنى الجوهر أيضا، والمعاجم اللغوية خير شاهد على ذلك فهي لم تخرجها عن معنييها في لسان العرب المتعارف عليه، فهي إما اسم إشارة مؤنث (ذو)، أو اسم موصول بمعنى (التي) في لغة طيء، وقد ترد في لسان العرب بمعنى الملة والشرعة والسبيل فيقال وهذا في ذات الإله أي في سبيل الله أو في ملة الله أو في شرعة الله، وهي أحدى اسقطات (ذات) بمعنى صاحبة أو (ذات) بمعنى (التي) فيقال في ذات الله أي في التي أوجبها الله من الملة أو الشرعة أو السبيل، أو ما أوجبه الله من الملة أو الشرعة أو السبيل.
ودعوانا في الباب الاستقراء الكلي المفيد للقطع بنفي وجود لفظة الذات بمعنى الجوهر، والاستقراء الكلي كما هو معلوم المفيد للنفي كلية سالبة، والكلية السالبة لا تنقض إلا بجزئية موجبة، لهذا سنلزم خصمنا بدليل واحد من كلام الله أو سنة رسول الله أو من هم محل استشهاد بكلامهم في لسان العرب أن يأتي بدليل واحد يثبت أن الذات في لسان العرب تطلق ويراد بها الجوهر.
وقد أشار شيخنا رحمه الله تعالى في مبحثه أن الله سبحانه عندما يخبر عن نفسه أو يخبر عنه غيره يستعمل لفظة نفسه فيقول: { كتب ربكم على نفسه الرحمة}، ويقول: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ}، ويقول: {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِن دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ}.
ثم أكّد شيخنا رحمه الله تعالى المعنى الذي ذكرنا ببيان أنه لا يوجد شيء في لسان العرب اسمه (ذات الله) بقوله:
والأصل أن تضاف للإله *** لا للضمير أو للفظ الله
كمثل ما قال خبيب إذ صلب*** وقول نابغة ذبيان الدرب
كقول خبيب بن عدي بن مالك الأوسي الأنصاري رضي الله عنه:
وذلك في ذات الإله وإن يشأ *** يبارك على أوصال شلوٍ ممزعِ
وقول النابغة الذبياني:
محلتهمْ ذاتُ الإلهِ ودينهمْ *** قويمٌ فما يرجونَ غيرَ العواقبِ
ولم يرد أن شدّ في هذا الباب إلا ما ورد في الحديث (ثلاث كذبات في ذات الله) والكلام والنزاع في الاستشهاد بالحديث في استخلاص المعاني اللغوية معروف مشهود لأنه استشهاد بما علم يقينا أنه لم يرو بلفظه ودوّن في زمن استحكام اللحن، وما ورد عن العرب في قولهم (ذو بكة) أي صاحبها، وما سوى ذلك هو باق على أصالته أي إضافة (ذو) وما يشتق منها إلى (أسماء الأجناس) لا (الأعلام ) أو (الضمائر)، والشذوذ ذكره في آخر هذا المبحث فقال رحمه الله:
نعم أتت مضــــــــــــــافة لله *** في كذبـــــات القانت الأواه
وهو شــــذوذ ونظيــــــره ذو *** بكة مما وجهه الشــــــذوذ
ثم قال رحمه الله تعالى رحمة واسعة:
لأنها تأنيث (ذو) الملتزم*** فيه إضافة لغير العلم
من ظاهر قال ابن مالك وقد*** ذكر ما يلزم (ذو) في ذا الصدد
(ذو) (ذات) أنثاه (ذوات) الجمع*** وجريان الأصل يجري الفرع
قال لأن (ذات) تأنيث (ذو) والملتزم في (ذو) ملتزم به في (ذات)، وهذا مفاد من نص كلام ابن مالك رحمه الله في الكافية الشافية لا الألفية كما تصورها بعضهم، وقد قال شيخنا بدقة متناهية ( من ظاهر قال ابن مالك وقد) لأن مطلع الكافية ( قال ابن مالك محمد وقد ) ومطلع الألفية ( قال محمد هو ابن مالك) فصدر صدر بيت الكافية ( قال ابن مالك) وآخره (وقد) وهو المشار إليه في بيت شيخنا العالم العلامة ولد عدود رحمه الله تعالى.
فإن تجلى هذا المبحث التي بحثه شيخنا رحمه الله رحمة واسعة وقد سمعت أنه وافق فيه العلامة ابن تيمية ولم أطلع على كلامه في الباب، أثبتوا الذات أولا من كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وثم اطردوا القول في الذات على القول في الصفات أو القول في الصفات على القول في الذات.
دعواتكم لشيخنا المفضال المبرز رحمه الله تعالى والذي يحاول بعض الأغمار نسبته إلى عقيدة التجسيم، وهو رحمه الله كان على مذهب السلف يعتقد أن الصفات المتشابهة إنما تفسيرها تلاوتها.