بيان عقد الإمام أبي سليمان الخطابي رحمه الله
اعلم رحمك الله أن إفرادنا القول في معتقد الإمام الخطابي رحمه الله لبيان أن السلفية تخالف معتقده تأصيلا وتفريعا وأن الاستدلال الذي استدل به العلامة ابن تيمية رحمه الله في غير محله.
1- لا يثبت الإمام الخطابي رحمه الله ما يعرف في عالم الناسوت بالجزء والبعض ثبوت جارحة، والسلفية يقولون بجارحة لا حسية، وبجارحة تليق به سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون، ولا يثبت الأصابع، وتقول السلفية بأصابع بلا كيف.
- قال رحمه الله في كتابه ( أعلام الحديث 3/1898-1902) وهو يشرح حديث القبضة، فقال رحمه الله: (الأصل في هذا وما أشبهه من أحاديث الصفات والأسماء؛ أنه لا يجوز ذلك إلا أن يكون بكتاب ناطق أو خبر مقطوع بصحته؛ فإن لم يكونا فيما يثبت من أخبار الآحاد المستندة إلى أصل في الكتاب أو في السنة المقطوع بصحتها أو بموافقة معانيها، وما كان بخلاف ذلك؛ فالتوقف عن إطلاق الاسم به هو الواجب، ويتأول حينئذ على ما يليق بمعاني الأصول المتفق عليها من أقاويل أهل الدين والعلم مع نفي التشبيه فيه؛ هذا هو الأصل الذي نبني عليه الكلام، ونعتمده في هذا الباب. وذِكرُ الأصابع لم يوجد في شيء من الكتاب، ولا من السنة التي شرطها في الثبوت ما وصفناه، وليس معنى اليد في الصفات بمعنى الجارحة؛ حتى يتوهم بثبوتها ثبوت الأصابع؛ بل هو توقيف شرعي أطلقنا الاسم فيه؛ على ما جاء به الكتاب من غير تكييف ولا تشبيه؛ فخرج بذلك عن أن يكون له أصل في الكتاب أو في السنة أو أن يكون على شيء من معانيها، وقد روى هذا الحديث غير واحد من أصحاب عبدالله من غير طريق عبيدة؛ فلم يذكروا فيه قوله: (تصديقاً لقول الحبر). واليهود مشبهة، وفيما يدعونه منزلاً في التوراة؛ ألفاظ تدخل في باب التشبيه؛ ليس القول بها من مذاهب المسلمين، وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أنه قال: (ما حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم وقولوا آمنا بما أنزل الله من كتاب). والنبي صلى الله عليه وسلم أولى الخلق بأن يكون قد استعمله مع هذا الحبر، والدليل على صحة ذلك؛ أنه لم ينطق فيه بحرف تصديقاً له، أو تكذيباً؛ إنما ظهر منه في ذلك الضحك المخيل للرضا مرة، وللتعجب والإنكار أخرى، ثم تلا الآية، والآية محتملة للوجهين معاً، وليس فيها للأصابع ذكر، وقول من قال من الرواة: (تصديقاً لقول الحبر). ظن وحسبان .. فالاستدلال بالتبسم والضحك في مثل هذا الأمر الجسيم قدره؛ الجليل خطره؛ غير سائغ مع تكافؤ وجهي الدلالة المتعارضين فيه، ولو صح الخبر من طريق الرواية كان ظاهر اللفظ منه متأولاً على نوع من المجاز أو ضرب من التمثيل؛ قد جرت به عادة الكلام بين الناس في عرف تخاطبهم، ويؤكد ما ذهبنا إليه حديث أبي هريرة؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (يقبض الله الأرض ويطوي السماء بيمينه ثم يقول: أنا الملك أين ملوك الأرض). فهذا قول النبي صلى الله عليه وسلم، ولفظه جاء على وفاق الآية من قوله عز وجل: {وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ}؛ ليس فيه ذكر الأصابع، وتقسيم الخليقة على أعدادها؛ فدل أن ذلك من تخليط اليهود وتحريفهم، وأن ضحك النبي صلى الله عليه وسلم؛ إنما كان على معنى التعجب منه، والنكير له).
2- ينفي الإمام الخطابي رحمه الله عن الله الصورة، والسلفيون يثبتون لله صورة على صورة آدم بلا كيف، ويثبتون حديث (إن الله خلق آدم على صورة الرحمن)، وحديث (إن لله صورة هي من أحسن الصور خلق آدم عليها) على الظاهر.
- قال الخطابي رحمه الله في كتابه أعلام الحديث ما نصه: (فإن الذي يجب علينا وعلى كل مسلم أن نعلم أنَّ ربنا عز وجل ليس بذي صورة ولا هيئة، فإن الصورة تقتضي الكيفية، وهي عن الله وعن صفاته منفية).
- وقال رحمه الله في إعلام الحديث (3/2888): (قوله: (خلق الله آدم على صورته)، الهاء وقعت كناية بين اسمين ظاهرين؛ فلم تصلح أن تصرف إلى الله عز وجل؛ لقيام الدليل على أنه ليس بذي صورة؛ سبحانه {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}؛ فكان مرجعها إلى آدم).
3- يؤول الإمام الخطابي رحمه الله الإتيان والمجيء والدنو والقرب والمشي والهرولة ولا يقول بظاهرها، وذهبت السلفية إلى القول بظاهرها وهو الانتقال (من، إلى) بلا كيف.
- قال الإمام الخطابي رحمه الله في (أعلام الحديث 1/525): (وتخريج معنى إتيان الله في هذا إياهم؛ إنه يشهدهم رؤيته ليثبتوه؛ فتكون معرفتهم له في الآخرة عياناً؛ كما كان اعترافهم بروبيته في الدنيا علماً، واستدلالاً، ويكون طروء الرؤية بعد أن لم تكن؛ بمنزلة إتيان الآتي من حيث لم يكونوا شاهدوه فيه قبل).
- قال رحمه الله في أعلام الحديث (4/2352): (إنما سردنا هذه القصة بطولها، ولم نختصر موضع الحاجة منها؛ لبشاعة ما وقع فيها من الكلام الذي لا يليق بصفة الله تعالى، ولا ينبغي لمسلم أن يعتقده على ظاهره، وهو قوله: (ودنا الجبار رب العزة فتدلى حتى كان قاب قوسين أو أدنى). وذلك أن هذا يوجب تحديد المسافة بين أحد المذكورين، وبين الآخر، وتمييز مكان كل واحد منهما؛ هذا إلى ما في التدلي من التشبيه، والتمثيل، وليس في هذا الكتاب؛ حديث أشنع ظاهراً، وأبشع مذاقاً من هذا الحديث).
- قال رحمه في أعلام الحديث (4/2358): ((إذا تقرب العبد إلي شبراً تقربت إليه ذراعاً). هذا مثََل، ومعناه: حسن القبول، ومضاعفة الثواب على قدر العمل الذي يتقرب به العبد إلى ربه؛ حتى يكون ذلك ممثلاً بفعل من أقبل نحو صاحبه قدر شبر؛ فاستقبله صاحبه ذراعاً, وكمن مشى إليه؛ فهرول إليه صاحبه قبولاً له, وزيادة في إكرامه. وقد يكون معناه: التوفيق له, والتيسير للعمل الذي يقربه منه).
4- يعتقد الإمام الخطابي رحمه الله أنه لا تجوز على الله الحوادث، وتعتقد السلفية جواز ذلك على الله تعالى عما يقول الظالمون.
- قال الخطابي رحمه الله في كتابه أعلام الحديث (1/526): (وكل وقت وزمان أو حال أو مقام؛ حكم الامتحان فيه قائم؛ فللاجتهاد والاستدلال فيه مدخل، وقد قال إبراهيم صلوات الله عليه حين رأى الكوكب: {هَذَا رَبِّي}؛ ثم تبين فساد هذا القول؛ لما رأى القمر أكبر جرماً، وأبهر نوراً؛ فلما رأى الشمس، وهي أعلاها في منظر العين، وأجلاها للبصر، وأكثرها ضياء وشعاعاً؛ قال: {هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ}؛ فلما رأى أفولها وزيالها، وتبين أنها محل الحوادث والتغييرات؛ تبرأ منها كلها، وانقطع إلى رب هو خالقها ومنشؤها؛ لا تعترضه الآفات، ولا تحله الأعراض، والتغييرات).
5- يؤول الخطابي رحمه الله حديث (خلوف فم الصائم)، والسلفية يثبتونه على ظاهره بلا كيف.
- قال الإمام الخطابي رحمه الله في أعلام الحديث (2/940): (والخلوف: تغير ريح الفم، والمعنى في كونه عند الله أطيب من ريح المسك: الثناء على الصائم، والرضا بفعله؛ لئلا يمنعه ذلك من المواظبة على الصوم الجالب لخلوف فمه).
6- ينفي عن الله الضحك ويؤوله، وتثبت السلفية الضحك على ظاهره بلا كيف.
- قال الإمام الخطابي رحمه الله في كتابه أعلام الحديث (2/1367) (يضحك الله تعالى إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر يدخلان الجنة يقاتل هذا في سبيل الله فيقتل ثم يتوب الله على القاتل فيستشهد). قوله: (يضحك الله) سبحانه. الضحك الذي يعتري البشر عندما يستخفهم الفرح، أو يستفزهم الطرب؛ غير جائز على الله عز وجل، وهو منفي عن صفاته، وإنما هو مثل ضربه لهذا الصنيع الذي يحل محل العجب عند البشر؛ فإذا رأوه أضحكهم، ومعناه في صفة الله عز وجل: الإخبار عن الرضا بفعل أحدهما، والقبول للآخر ومجازاتهما على صنيعهما الجنة، مع اختلاف أحوالهما وتباين مقاصدهما، ومعلوم أن الضحك من ذوي التمييز؛ يدل على الرضى والبشر، والاستهلال منهم؛ دليل قبول الوسيلة، ومقدمة إنجاح الطلبة، والكرام يوصفون عند المسألة بالبشر وحسن اللقاء؛ فيكون المعنى في قوله: (يضحك الله إلى رجلين). أي: يجزل العطاء لهما؛ لأنه موجب الضحك، ومقتضاه).
7- يؤول رحمه الله طي اليمين في قول الله تعالى: {وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ}، والسلفية تثبت الفعل على ظاهره بلا كيف.
- قال رحمه الله في أعلام الحديث (3/1901): ({وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ}؛ أي قدرته على طيها، وسهولة الأمر في جمعها، وقلة اعتياصها عليه؛ بمنزلة من جمع شيئاً في كفه؛ فاستخف حمله، ولم يشتمل بجميع كفه عليه؛ لكنه يقله ببعض أصابعه).
8- يؤول وينفي ظاهر الرجل والقدم خلافا للسلفية التي تثبتها على ظاهرها بلا كيف.
- قال رحمه الله في أعلام الحديث (3/1911): (فيشبه أن يكون من ذكر القدم والرجل، وترك الإضافة؛ إنما تركها تهيبا لها، وطلباً للسلامة من خطأ التأويل فيها، وكان أبو عبيد يقول: نحن نروي هذه الأحاديث، ولا نريغ لها المعاني. ونحن أحرى بأن لا نتقدم فيما تأخر عنه من هو أكثر علماً وأقدم زماناً وسناً، ولكن الزمان الذي نحن فيه؛ قد جعل أهله حزبين: منكر لما يروى من نوع هذه الأحاديث رأساً، ومكذب به أصلاً، وفي ذلك تكذيب العلماء الذين رووا هذه الأحاديث، وهم أئمة الدين، ونقلة السنن، والوسائط بيننا وبين الرسول صلى الله عليه وسلم. والطائفة الأخرى مسلمة للرواية فيها؛ ذاهبة في تحقيق الظاهر منها مذهباً يكاد يفضي بهم إلى القول بالتشبيه. ونحن نرغب عن الأمرين، ولا نرضى بواحد منهما مذهباً. فذكر القدم هاهنا يحتمل أن يكون المراد به: من قدمهم الله تعالى للنار من أهلها؛ فيقع بهم استيفاء عدد أهل النار، وكل شيء قدمته فهو قدم. وقد تأول بعضهم الرجل على نحو من هذا؛ قال: والمراد به استيفاء عدد الجماعة الذين استوجبوا دخول النار؛ قال: والعرب تسمي جماعة الجراد: رجلاً . قلت: وفيه وجه آخر: وهو أن هذه الأسماء أمثال يراد بها إثبات معان لا حظ لظاهر الأسماء فيها من طريق الحقيقة، وإنما أريد بوضع الرجل عليها: نوع من الزجر لها، والتسكين من غربها. وما أكثر ما تضرب العرب الأمثال في كلامها بأسماء الأعضاء، وهي لا تريد أعيانها؛ كقولهم في الرجل يسبق من القول أو الفعل ثم يندم عليه: قد سقط في يده. أي ندم. وكقولهم: رغم أنف فلان، إذا ذل، وعلا كعبه، إذا جل. ونحوها من ألفاظهم الدائرة في كلامهم، وقد تستعمل الرجل أيضاً في القصد للشيء، والطلب له على سبيل جد، وإلحاح ، فإن قيل: إن هذه الصفات مذكورة في كتاب الله عز وجل بأسمائها، وهي صفات مدح، والأصل أن كل صفة جاء بها الكتاب، أو صحت بأخبار التواتر، أو رويت من طريق الآحاد، وكان لها أصل في الكتاب، أو خرجت على بعض معانيه؛ فإنا نقول بها، ونجريها على ظاهرها من غير تكييف. وما لم يكن له منها في الكتاب ذكر، ولا في التواتر أصل، ولا له بمعاني الكتاب تعلق، وكان مجيئه من طريق الآحاد، وأفضى بنا القول إذا أجريناه على ظاهره إلى التشبيه؛ فإنا نتأوله على معنى يحتمله الكلام، ويزول معه معنى التشبيه، وهذا هو الفرق بين ما جاء من ذكر القدم والرجل والساق، وبين اليد والوجه والعين، وبالله العصمة، ونسأله التوفيق بصواب القول، ونعوذ به من الخطأ فيه، إنه رءوف رحيم).
9- ينفي عن الله سبحانه صفة العجب ويؤولها وتثبتها السلفية على ظاهرها بلا كيف.
- قال رحمه الله في أعلام (3/1923): (قوله: (عجب الله). إطلاق العجب لا يجوز على الله سبحانه، ولا يليق بصفاته، وإنما معناه الرضا. وحقيقته: أن ذلك الصنيع منهما؛ حل من الرضا عند الله، والقبول له؛ محل العجب عندكم في الشيء التافه إذا رفع فوق قدره، وأعطي به الأضعاف من قيمته، وقد يكون معنى العجب في هذا: أن يعجب الله ملائكته من صنيعهما، وذلك أن الإيثار على النفس أمر نادر في العادة، مستغرب في الطباع؛ فيكون المعنى: أنه عجب منه ملائكته. وهذا على مذهب الاستعارة، وسعة المجاز؛ سائغ غير ممتنع).
10- يفوض صفة الساق ويجري عليها قول السلف: (إنما تفسيرها تلاوتها)، والسلفية يثبتونها بلا كيف.
- قال رحمه الله في إعلام الحديث (3/ 1933): وقال: (يكشف ربنا عن ساقه)، قلت: وهذا الحديث مما تهيب القول فيه شيوخنا؛ فأجروه على ظاهر لفظه، ولم يكشفوا عن باطن معناه؛ على نحو مذهبهم في التوقف عن تفسير كل ما لا يحيط العلم بكنهه من هذا الباب، وقد تأوله بعضهم على معنى قوله: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ}؛ فروي عن ابن عباس؛ أنه قال: (عن شدة، وكرب)، فيحتمل، والله أعلم؛ أن يكون معنى الحديث: أنه يبرز من أمر القيامة وشدتها ما ترتفع معه سواتر الامتحان؛ فيتميز عند ذلك أهل اليقين والإخلاص؛ فيؤذن لهم في السجود، وينكشف الغطاء عن أهل النفاق؛ فتعود ظهورهم طبقاً لا يستطيعون السجود. وقد تأوله بعض الناس فقال: لا ننكر أن يكون الله سبحانه قد يكشف لهم عن ساق لبعض المخلوقين من ملائكته أو غيرهم؛ فيجعل ذلك سبباً لبيان ما شاء من حكمه في أهل الإيمان وأهل النفاق. قلت: وفيه وجه آخر لم أسمعه من قدوة، وقد يحتمله معنى اللغة؛ سمعت أبا عمر يذكر عن أبي العباس أحمد بن يحيى النحوي فيما عد من المعاني المختلفة الواقعة تحت هذا الاسم؛ قال: (والساق: النفس) قال: ومنه قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه حين راجعه أصحابه في قتال الخوارج؛ فقال: ]والله لأقاتلنهم ولو تلفت ساقي[. يريد نفسه. فقد يحتمل على هذا؛ أن يكون المراد به: التجلي لهم، وكشف الحجب؛ حتى إذا رأوه سجدوا له، ولست أقطع به القول، ولا أراه واجباً فيما أذهب إليه من ذلك، وأسأل الله أن يعصمنا من القول بما لا علم لنا به).
11- ينفي رحمه الله عن الله الفرح ويفسره بالرضى، ويثبت السلفية الفرح لله تعالى عما يقول الظالمون بلا كيف.
- قال رحمه الله في أعلام الحديث (3/2238): (قوله: لله أفرح، معناه: أرضى بالتوبة، وأقبل لها.
والفرح الذي يتعارفه الناس من نعوت بني آدم؛ غير جائز على الله عز وجل؛ إنما معناه الرضى؛ كقوله: {كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ}؛ أي: راضون).
12- ينفي عن الله تعالى لفظة شخص ويأباها ولا يرضاها، وتثبت السلفية هذا اللفظ لله تعالى بلا كيف.
- قال رحمه الله في أعلام الحديث (4/2346): (إطلاق الشخص في صفة الله سبحانه؛ غير جائز، وذلك لأن الشخص لا يكون إلا جسماً مؤلفاً، وإنما يسمى شخصاً ما كان له شخوص وارتفاع، ومثل هذا النعت منفي عن الله سبحانه، وخليق أن لا تكون هذه اللفظة صحيحة، وأن تكون تصحيفاً من الراوي، وليس كل الرواة يراعون لفظ الحديث حتى لا يتعدوه، بل كثير منهم يحدث على المعنى، وليس كلهم بفقيه، وفي كلام آحاد الرواة منهم جفاء وتعجرف، وحري أن يكون لفظ الشخص إنما جرى من الراوي على هذا السبيل؛ إن لم يكن من قبل التصحيف).
13- أوّل رحمه الله قوله صلى الله عليه وسلم: (ويتقبلها بيمينه) بحسن القبول، وتثبت السلفية الفعل على ظاهره بلا كيف.
- قال رحمه الله في أعلام الحديث (4/2347): (وقوله: (يتقبلها بيمينه) ذكر اليمين في هذا؛ معناه: حسن القبول؛ فإن العادة قد جرت من ذوي الأدب؛ أن تصان اليمين عن مس الأشياء، وإنما يباشر بها الأشياء التي لها قدر، ومزية. وليس فيما يضاف إلى الله عز وجل من صفة اليدين؛ شمال؛ لأن الشمال محل النقص والضعف، وقد روي في الخبر (كلتا يديه يمين)، وليس معنى اليد عندنا: الجارحة؛ إنما هو صفة جاء بها التوقيف؛ فنحن نطلقها على ما جاءت).
14- ينفي المكان عن الله تعالى ولا يثبته والسلفية تثبت المكان لله تعالى فهي تعتقد جلوسه على العرش وتحيزه في السماء بلا كيف.
- قال رحمه الله في أعلام الحديث (4/2235): (وفي هذا الحديث؛ لفظة أخرى تفرد بها شريك أيضاً؛ لم يذكرها غيره، وهي قوله: (فقال وهو مكانه)، والمكان لا يضاف إلى الله سبحانه؛ إنما هو مكان النبي صلى الله عليه وسلم، ومقامه الأول الذي أقيم فيه).
15- ينفي حديث الأطيط ويستهجنه جدا، وتثبته السلفية على ظاهره بلا كيف.
- قال رحمه الله تعالى في معالم السنن (4/328): (هذا الكلام إذا جرى على ظاهره؛ كان فيه نوع من الكيفية، والكيفية عن الله وصفاته؛ منفية؛ فعقل أن ليس المراد منه تحقيق هذه الصفة، ولا تحديده على هذه الهيئة، وإنما هو كلام تقريب أريد به تقرير عظمة الله، وجلاله سبحانه، وإنما قصد به إفهام السائل من حيث يدركه فهمه؛ إذ كان أعرابياً جلفاً لا علم له بمعاني ما دق من الكلام، وبما لطف منه عن درك الافهام. وفي الكلام حذف وإضمار؛ فمعنى قوله: (أتدري ما الله) معناه: أتدري ما عظمة الله، وجلاله. وقوله: (إنه ليئط به) معناه: أنه ليعجز عن جلاله وعظمته حتى يئط به؛ إذ كان معلوماً أن أطيط الرحل بالراكب؛ إنما يكون لقوة ما فوقه، ولعجزه عن احتماله؛ فقرر بهذا النوع من التمثيل عنده؛ معنى عظمة الله، وجلال وارتفاع عرشه؛ ليعلم أن الموصوف بعلو الشأن، وجلالة القدر، وفخامة الذكر؛ لا يجعل شفيعاً إلى من هو دونه في القدر).
16- يخالف السلفية في ذهابها إلى إثبات أداة السمع والبصر بحديث الاصبع على العين والأذن.
- قال رحمه الله في معالم السنن (4/330): (وضعه إصبعه على أذنه، وعينه؛ عند قراءته {سَمِيعًا بَصِيرًا}؛ معناه: إثبات صفة السمع والبصر لله سبحانه؛ لا إثبات الأذن، والعين؛ لأنهما جارحتان، والله سبحانه موصوف بصفاته؛ منفي عنه ما لا يليق به من صفات الآدميين ونعوتهم؛ ليس بذي جوارح، ولا بذي أجزاء وأبعاض).
17- يفوض في النزول ولا يثبته على ظاهره بل يثبت لفظه ولا يعرض على معناه خلافا للسلفية التي تثبته على ظاهره المعنوي بلا كيف.
- قال رحمه الله في معالم السنن (4/332): ( (ينزل الله تبارك وتعالى كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول من يدعوني فأستجيب له من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له)، مذهب علماء السلف وأئمة الفقهاء؛ أن يجروا مثل هذه الأحاديث على ظاهرها، وأن لا يريغوا لها المعاني، ولا يتأولوها؛ لعلمهم بقصور علمهم عن دركها؛ حدثنا الزعفراني؛ حدثنا ابن أبي خيثمة؛ حدثنا عبدالوهاب بن نجدة الحوطي؛ حدثنا بقية عن الأوزاعي؛ قال: كان مكحول والزهري يقولان: أمروا الأحاديث كما جاءت. قلت: وهذا من العلم الذي أمرنا أن نؤمن بظاهره، وأن لا نكشف عن باطنه، وهو من جملة المتشابه الذي ذكره الله عز وجل في كتابه؛ فقال: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ{؛ الآية؛ فالمحكم منه يقع به العلم الحقيقي، والعمل، والمتشابه يقع به الإيمان، والعلم بالظاهر، ونوكل باطنه إلى الله سبحانه؛ وهو معنى قوله {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ}، وإنما حظ الراسخين في العلم أن يقولوا {آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا}، وكذلك كل ما جاء من هذا الباب في القرآن؛ كقوله {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ}، وقوله: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا}. والقول في جميع ذلك عند علماء السلف؛ هو ما قلنا، وقد روي مثل ذلك عن جماعة من الصحابة. وقد زل بعض شيوخ أهل الحديث ممن يرجع إلى معرفته بالحديث والرجال؛ فحاد عن هذه الطريقة حين روى حديث النزول؛ ثم أقبل يسأل نفسه عليه؛ فقال: إن قال قائل: كيف ينزل ربنا إلى السماء؟ قيل له: ينزل كيف شاء. فإن قال: هل يتحرك إذا نزل، أم لا؟ فقال: إن شاء تحرك، وإن شاء لم يتحرك. قلت: وهذا خطأ فاحش، والله سبحانه لا يوصف بالحركة؛ لأن الحركة والسكون يتعاقبان في محل واحد، وإنما يجوز أن يوصف بالحركة من يجوز أن يوصف بالسكون، وكلاهما من أعراض الحدث، وأوصاف المخلوقين، والله جل وعز متعال عنهما؛ {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}؛ فلو جرى هذا الشيخ عفا الله عنا وعنه؛ على طريقة السلف الصالح، ولم يدخل نفسه فيما لا يعنيه؛ لم يكن يخرج به القول إلى مثل هذا الخطأ الفاحش، وإنما ذكرت هذا لكي يتوقى الكلام فيما كان من هذا النوع؛ فإنه لا يثمر خيراً ولا يفيد رشداً، ونسأل الله العصمة من الضلال، والقول بما لا يجوز من الفاسد المحال).
18- قال في الغنية وهو يؤيد ما نثره في أعلام الحديث ومعالم السنن لا كما تدعيه السلفية أنه رجع عما ذكره في الكتابين، وهو ينهج فيه في الواضحات نهج الإثبات وفي المشتبهات نهج التفويض على طريقة السلف: (إن الكلام في الصفات فرع على الكلام في الذات ويحتذى في ذلك حذوه ومثاله . فإذا كان معلوما أن إثبات الباري سبحانه إنما هو إثبات وجود لا إثبات كيفية فكذلك إثبات صفاته إنما هو إثبات وجود لا إثبات تحديد وتكييف . فإذا قلنا يد وسمع وبصر وما أشبهها فإنما هي صفات أثبتها الله لنفسه ; ولسنا نقول : إن معنى اليد القوة أو النعمة ولا معنى السمع والبصر العلم ; ولا نقول إنها جوارح ولا نشبهها بالأيدي والأسماع والأبصار التي هي جوارح وأدوات للفعل ونقول : إن القول إنما وجب بإثبات الصفات ; لأن التوقيف ورد بها ; ووجب نفي التشبيه عنها لأن الله ليس كمثله شيء ; وعلى هذا جرى قول السلف في أحاديث الصفات ” هذا كله كلام الخطابي).
أقول أنا محمد موساوي أبومسلم: فليردوا علينا هذه القواسم التي تجلي مذهبه بما لا يترك مجالا للنقاش والكلام الزائد، وليظهروا لنا هل أصاب العلامة ابن تيمية في اعتباره مرضي العقيدة أو لا.