نحمدك اللهم على نعم يؤذن الحمد بازديادها، ونصلي، ونسلم على نبيك محمد هادي الأمة لرشادها، وعلى آله، وصحبه ما قامت الطروس، والسطور لعيون الألفاظ مقام بياضها، وسوادها، وبعد :
قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كما في صحيح مسلم : ( إن الشيطان قد أيس أن يعبد في جزيرة العرب ولكن في التحريش بينهم ) وفي مسند الإمام أحمد قال عليه أحلى الصلاة والسلام : (ألا لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض، ألا إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون، ولكن في التحريش بينكم ). وفي سنن أبي داوود قال عليه الصلاة والسلام عدد خلق الله ورضى نفسه وزنة عرشه : ( إن ربى زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها، وأن ملك أمتي سيبلغ ما زوى لي منها، وأعطيت الكنزين الأحمر والأبيض، وإني سألت ربي تعالى لأمتي أن لا يهلكها بسنة بعامة، ولا يسلط عليهم عدواً من سوى أنفسهم ).
قلت ( أي راقم هذه الأحرف ) : قد كانت نبوءة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وكان لزاما عليها أن تكون، فأصبح التحريش بين المسلمين ميزة هذه الأمة، وقد أضحى تقتيل بعضنا البعض ( الهرج ) لازما لذلك التحريش حتى أضحى المخالف المسلم أشد عداوة للمسلم من الكافر، وقد لاحظنا ذلك عيانا في هذا الزمان، وقد اُستحل الدمُ كما استحل العرضُ بعد أن استحل الدينُ فزهقت النفس وضاع النسل والمال فانتكهت الكليات الخمسة، وكل هذا باسم لا إله إلا الله، وإن الحكم إلا لله، وألا لله الدين الخالص، وباسم الولاء والبراء.
ولو كان في هؤلاء الأغمار – الذين يعيشون حالة نفسية مضطربة، وهم في حرب وهمية – مزعة من دين وشيئا من العقل، لعلموا أن دين الله جاء ليحفظ الدين والمال والعرض والنسل والنفس بالأس، وانه جاء بالمصلحة المطلقة، فهو يصلح البدن بالإسلام، والنفس بالإيمان، والروح بالإحسان، وأن الله بعث الأنبياء لهداية الخلق بالحق في الحق للحق، وأن الموافق من أمة الإجابة له الرحمة الواجبة، وأن المخالف من أمة الدعوة له الرحمة الواجبة أيضا، وأن الموافقة في كل باب وإن قبلت عقلا إلا أنها متخلفة واقعا، وأن الله دعانا لعدم التفرق والتشردم والتحزب، وأنه دعانا للوحدة على السبيل القويم والصراط المستقيم، وأنه طالبنا بإعذار الأمة ما أمكن للعذر من سبيل، ولو علموا أن المدارك مختلفة لا تكاد تنضبط وأن التكليف يختلف بحسب الإدراك، وأن الله رحيم – يا عباد الله إن ربنا رحيم، أقسم بمن خلقني وهيأ لي أسباب الصلاح كلها، وخلقني على هيئة لا يصلحني غيرها، أقسم أنه رحيم يؤاخذ بالنية قبل العمل ( قد يكون العمل دالا على النية كترك الصلاة – سياتي بيان ذلك في ذكرنا للحجج وانواعها – فتعرف النية بالعمل معالجة أو تركا ) -، فلنأخذ بالظاهر يا أهل الظاهر، ولنترك النيات لعالم السرائر.
ومن عجائب هذا الزمان ظهور فرقة تدعي انها هي هي قد حوت كل الصيد الذي في جوف الفرى، وأن ما سواها فرق نارية، تبدع أو تكفر بالتعيين، ففرقت الصفوف، وجعلت من أفرغ وسعه وبدل جهده أو كاد من المشايخ والدعاة من المنبوذين المحتقرين في بلدان رفع فيه أبليس رايته وانتكست فيها راية الحق.
ولو كان من مساوي هذه الفرقة أنها أسقطت هيبة العلماء بين العامة لكفاها بذلك سوءة، وقد أهين دين الله عز وجل بها لزوما.
ولو كان من مساوئ هذه الفرقة أنها أهّلت من ليس بأهل ليتصدر الفتوى لكفاها بذلك سوءة، وقد أهين دين الله عز وجل بها لزوما.
ولو كان من مساوئ هذه الفرقة أنها استحلت أعراض خواص المسلمين بالشبهة وقد أمرنا بالستر وإن توافر اليقين لكفاها بذلك سوءة، وقد أهين دين الله عز وجل بها لزوما.
ولو كان من مساوئ هذه الفرقة أن جعلت بأس المسلمين بينهم لكفاها بذلك سوءة، وقد أهين دين الله عز وجل بها.
فكيف وقد اجتمع فيها كل هذا والعياذ بالله من الخذلان، وقد حوت كل الصيد الذي في جوف الفرى ليس من الحق بل من السوءات .
اسمع أخي الكريم مهما زخرف لك قول، أو تكاثرت عليك الحجج والاستدلالات، اعلم أن الله لا يعذب عبدا أفنى حياته فيه، لأنه ببساطة عدل ورحيم ولطيف، ويأبى عدله ورحمته ولطفه أن يجور على عباده وقد هيأ لهم كل أسباب الهداية والصلاح .
والسلام ختام.